دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

حول آية البسملة

ذكر الرحمة بدء القرآن

قد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في ابتداء كلامه دون سائر صفاته الكمالية، لأن القرأن إنما نزل رحمة من الله لعباده. ومن المناسب أن يبتدأ بهذه الصفة التي اقتضت إرسال الرسول وإنزال الكتاب. وقد وصف الله كتابه ونبيه بالرحمة في آيات عديدة، فقد قال تعالى: *هذا بصائر من ربّكم وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون. وشفاءٌ لّما في الصّدور وهدىً ورحمةً لّلمومنين. ونزّلنا عليك الكتاب تبنانا لكلّ شيء وهديً ورحمةً وبشرى للمسلمين. وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين. وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين. وإنّه لهدى ورحمةٌ للمؤمنين.

ذكر الرحيم بعد الرحمن:

قد عرفت أن هيئة فعيل تدلّ على أن المبدأ فيها من الغرائز والسجايا غير المنفكة عن الذات. وبذلك تظهر نكتة تأخير كلمة (الرحيم) عن كلمة (الرحمن) فإن هيئة (الرحمن) تدل على عموم الرحمة وسعتها ولا دلالة على عموم الرحمة وسعتها ولا دلالة لها على أنها لازمة للذات، فأتت كلمة (الرحيم) بعدها للدلالة على هذا المعنى. وقد اقتضت بلاغة القرآن أن تشير إلى كلا الهدفين في هذه الآية المباركة، فالله رحمن قد وسعت رحمته كل شيء وهو رحيم لا تنفك عنه الرحمة. وقد خفي الامر على جملة من المفسرين، فتخيلوا أن كلمة (الرحمن) أوسع معنى من كلمة (الرحيم) بتوهم أن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني. وهذا التعليل ينبغي أن يعد من الكضحكات، فإن دلالة الألفاظ تتبع كيفية وضعها، ولا صلة لها بكثرة الحروف وقلتها. ورب لفظ قليل الحروف كثير المعنى، وبخلافه لفظ آخر، فكلمه حذر تدل على المبالغة دون كلمة حاذر، وإن كثيراً ما يكون الفعل المجرد والمزيد فيه بمعنى واحد، كضرّ وأضرّ. هذا إذا فرضنا أن يكون استعمال كلمة (الرحمن) استعمالاً اشتقاقياً وأما بناءً على كونها من أسماء الله تعالى وبمنزلة اللقب له نقلاً عن معناها اللغوي- وقد تقدم إثبات ذلك- فإن في تعقيبها بكلمة (الرحيم) زيادة على ما ذكر إشارة إلى سبب النقل، وهو اتصافه تعالى بالرحمة الواسعة.

هل البسملة من القرآن؟

اتفقت الشيعة الإمامية على أن البسملة آية من كل سورة بدأت بها، وذهب اليه ابن عباس، وابن المبارك، وأهل مكة كابن كثير، وأهل الكوفة كعاصم، والكسائي، وغيرهما ما سوى حمزة وذهب اليه أيضاً غالب أصحاب الشافعي وجزم به قرّاء مكة والكوفة، وحكي هذا القول عن ابن عمر، وابن الزبير وأبي هريرة، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهري، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، واسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام وعن البيهقي نقل هذا القول عن الثوري ومحمد بن كعب، واختاره الرازي في تفسيره ونسبه إلى قرّاء مكة والكوفه وأكثر فقهاء الحجاز، وإلى ابن المبارك والثوري، واختاره أيضاً جلال الدين السيوطي مدعياً تواتر الروايات الدالة عليه معنى. وقال بعض الشافعية وحمزة: ( إنها آية من فاتحة الكتاب خاصة دون غيرها) ونسب ذلك إلى أحمد بن حنبل، كما نسب اليه القول الاول. وذهب جماعة: منهم مالك، وأبوعمرو، ويعقوب إلى أنها آية فذة وليست جزء من فاتحة الكتاب ولا من غيرها، وقد انزلت لبيان رؤوس السور تيمناً، وللفصل بين السورتين، وهو مشهور بين الحنفية. غير أن أكثر الحنفية ذهبوا إلى وجوب قراءتها في الصلاة قبل الفاتحة وذكر الزاهدي عن المجتبى أن وجوب القراءة في كل ركعة هي الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة. وأما مالك فقد ذهب إلى كراهة قراءتها في نفسها، واستحبابها لأجل الخروج من الخلاف.

تتمة البحث في العدد القادم